إن ما يبدو، في العصر الحديث، أنه اهتمام واسع شامل لقضايا حقوق الإنسان، تناولته أنظار الفلاسفة والمفكرين والسياسيين منذ القرن السابع عشر الميلادي، وحبَّرَتْ في شأنه المواثيق والعهود، قد بقي في حقيقة الأمر منحصرًا في القوانين والدساتير، واكْتُفِيَ بالتعبير عنه في شكل مبادئ وقواعد مجملة، ولم تتدرج العناية به إلى المستوى الدولي، إلّا بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة، وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولم يخرج الاهتمام به إلى الآفاق الرحبة الواسعة، إلّا أثناء احتدام الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، التي اتخذت في تقدير البعض من حقوق الإنسان ذريعةً للإجهاز على المعسكر الشرقيّ الذي كان يقوده الاتحاد السوفييتي، ونجحت في تفكيك منظومته, ودحر أيديولوجيته، لتتبلور بذلك الصور الجديدة في شكلها المستحدث لقضايا حقوق الإنسان، ولتتحول إلى أداة فاعلة ضاغطة تستخدمها الدول المتقدمة لممارسة الهيمنة, وفرض السيطرة, وبسط النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي على دول العالم بأسره، بينما يرى آخرون، ممن ينتصرون لثقافة العولمة، أن في التراث الإنساني ما يبرز النضالات من أجل حقوق الإنسان، وأن الاهتمام العالمي المتزايد يومًا بعد يوم، ما هو إلّا تتويجٌ لهذه النضالات, وتكريس لانتصار الإنسان في نهاية المطاف، من أجل تجذير حقوقه في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، وتأصيلها كقيم عالمية كونية، وحمايتها من مخاطر الانتكاس والردة من خلال المواثيق والمعاهدات والتنظميات الدولية.
إن ما يُسَمَّى اليوم بالنظام العالمي الجديد، والذي ظهرت بوارقه الأولى منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، لم يحقق في نظر معارضيه الغايات المرجوّة منه، ولم يثمر في تقديرهم نتائجه المؤملة، وهم يرون أن استفراد القوى