لا شكَّ أن التربية هي أساس كل تنشئة صالحة، والوسيلة إلى تنمية الطاقات النفسية والعقلية والجسدية للمُرَبَّى، وإن اتخاذ الوسائل الممكنة التي تساعد على هذه التربية وتعينها على إدراك غايات الصلاح، لهو جزء لا يتجزأ من عملية التربية، ومن أوكد هذه الوسائل، تعليم البنت وإنارة عقلها وقلبها، حتى تنشأ على الوعي السليم الصحيح بوجودها ودورها, وما هي مؤهلة له طبيعيًّا واجتماعيًّا للقيام به داخل الأسرة والمجتمع، وبقدر ما يتنامى هذا الوعي وتتطور المهارات المكتسبة، تكبر المسئولية ويعظم الدور المنوط بعهدة المرأة كشريكٍ فاعلٍ وعضوٍ في عملية التنمية الشاملة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية، ولقد برزت المرأة في مراحل التعليم المختلفة بقدرات جد محترمة، وأثبتت جدراتها بأرقى الشهادات العلمية في مختلف الاختصاصات التي كانت إلى وقتٍ غير متأخر معدودة ضمن مشمولات الرجل وقصرًا عليه.
لقد تعالت أصوات المصحلين في بلادنا الإسلامية، منذ القرن التاسع عشر الميلادي، مناديةً بتعليم المرأة ورفع الجهل عنها، إذا كنا نروم حقًّا إصلاحًا اجتماعيًّا شاملًا يرقى بالمجتمع ويحقق نهضته، فالمرأة إلى ما هي مؤتمنة عليه بحكم خلقتها, وما أودعه الله فيها من ميزات وخصائص تلائم دورها في التربية والرعاية، وتمكنها من المشاركة الاجتماعية الإيجابية الفاعلة، فهي المدرسة الأولى للمجتمع بأسره، والمعلمة الأولى للبشرية، في رحمها وأحضانها تنشأ الحياة الإنسانية ويتحدد مصيرها.
وفي تاريخنا الإسلامي الحافل، عديد الأمثلة على نساءٍ مسلمات جليلات برزن بعلمهن واجتهادهن، وضرب بهنَّ المثل في الإجادة علمًا وأدبًا وخلقًا، ومنهن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- التي روت الحديث, وفسرت ما أغلق على أفهام الناس من آي القرآن الكريم، وأدلت باجتهادها في عديد الأحكام الفقهية، علاوةً عن درايتها بالأنساب وقولها الشعر، وفي بلادنا تونس، مثلٌ آخرٌ لامرأة صالحة خيرة، جرى ذكرها على كل لسان، جمعت بين العلم الديني والأدب