وقد دعاها إلى إجراء هذا التعديل أنها رأت الصحافة تحاكم على درجتين ابتدائية واستئنافية وفي ذلك فرصتان للصحافة والصحفيين فضلًا عن أن أحكام محاكم الجنح في جرائم النشر كانت إذ ذاك هينة لا ترضي رغبات السلطات التي عادت بالصحف إلى قانون المطبوعات القديم، فرأت إحالة هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات إرهابًا للصحف وحرمانًا لها من درجتي التقاضي حسب النظام السابق، ثم عدل قانون العقوبات تعديلًا آخر في نفس السنة١، وهو خاص بالاتفاقات الجنائية وهو يتصل بالصحافة من حيث منع نشر المرافعات في القضايا الجناية إذ اعتبر نشرها مضرًا بالأمن العام، ثم قرر الشارع المسئولية الجنائية على مديري الصحف ولو لم يتوافر فيهم القصد الجنائي، كما أضيف نص يعاقب على التهديد بالكتابة أو القول ولو لم يكن التهديد مقرونًا بطلب ما، بعد أن كان التشريع القديم لا يعاقب إلا إذا قرن التهديد بسلب المال.
وتتابعت الأحداث السياسية على البلاد بعد الحرب العظمى إلى أن انتهت بإعلان تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ الذي قرر انتهاء الحماية البريطانية واعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وتبع ذلك صدور الأمر الملكي رقم ٤٢ لسنة ١٩٢٣ بوضع نظام دستوري للدولة المصرية قرر في المادة الخامسة عشر من الباب الثاني الذي ينص على حقوق المصريين وواجباتهم أن الصحافة حرة في حدود القانون والرقابة على الصحف محظورة وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور كذلك إلا إذا كان ذلك ضروريًّا للنظام الاجتماعي، وواضح أن هذا النص يقرر حرية الصحافة وهي أهم مظهر من مظاهر حرية الرأي التي كفلها الدستور، وهذه الحقوق تتقرر للصحافة المصرية للمرة الأولى، فلم يعترف لها تشريع سابق من التشريعات التي مرت بنا بحق الحرية أو الحماية ضد عسف الحكام ونزواتهم، بيد أن المشرع ما عتم أن استطرد في نهاية النص فأجاز الرقابة والإنذار والوقف
١ هو قانون رقم٢٨ لسنة ١٩١٠ الصادر في ١٦ يونيه ١٩١٠.