من أن وجودها شرط "فنصه" أي أبي داود "على أن ما سكت عنه فهو صالح يقتضي معرفته لمتابعات" وشواهد تقويه فيه بحثان:
الأول: إن هذا الذي سكت عنه هو الذي أخبر عنه بأنه صالح والصالح صحيح أو أصح عنده كما عرفت.
والثاني: أنه لم يسكت عما لم يجد في الباب غيره بل قال إنه ضعيف.
نعم يشكل وجود حديث في السنن مسكوت عنه فإنه يحتمل أن سكوته عنه لكونه صالحا أو أنه ضعيف فلا يعرف الفرق بينهما إلا بأن نجد حديثا ليس في الباب غيره فيحكم بضعفه ثم إنه مبني على أنه لا يأتي في باب من أبواب كتابه بما وهنه شديد وإن لم تجد إلا هو وهذا كله يفتقر إلى تتبع كتاب أبي داود لأن ما سكت عنه قد احتمل الضعف واحتمل أنه صالح "من باب معرفة اصطلاحهم ومن باب الحمل على السلامة" هذا كلام حسن لكنه يقال عليه إنه قد صرح أبو داود أنه يأتي بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره من تابع أو شاهد فحمله على السلامة إنما هو بقبول خبره عن نفسه "فإن مثل أبي داود مع جلالته ومعرفته وأمانته" يجب قبول خبره عن نفسه كما يجب قبول ما أخبر به عن غيره وقد أخبر عن نفسه بما عرفت.
وأما قوله:"لا يطلق ذلك" أي لفظ صالح فيها سكت عنه "على ما لا يستحق اسم الصحيح أو الحسن في عرفهم الشائع" فقد عرفت أنه لم يطلقه إلا على صحيح أو حسن "فكيف وقد روى الحافظ سراج الدين بن النحوي في مقدمات كتابه البدر المنير عن أبي داود أنه يخرج في الباب أصح الأسانيد ويترك بقيتها تخفيفا على طلبة هذا العلم الشريف" هذا محمول على ما يخرجه في باب أحاديث الأحكام التي يذكر فيها كثيرة وأما ما يخرجه في باب أو في حكم لا يجد فيه إلا حديثا واحدا فإنه قد صرح بأنه ضعيف "وهذا يدل على أنه إنما نص على صلاحية ما سكت عنه مما إسناده ضعيف لم عرف من شواهده" قد عرفت أنه نص على صلاحية ما سكت عنه ونص على أنه يخرج الضعيف الذي لا يجد غيره في الباب ونص على أنه يخرج ما اشتد وهنه مع بيانه وإذا كان هذا نصه فليس لنا التحكم بأن ما سكت عنه فهو صحيح أو حسن حتى يعلم أن في الباب غيره إذ هو الذي صرح بأنه يخرجه مع ضعفه نعم الذي لا يجد في الباب غيره قليل بالنسبة إلى مقابله فقد يقال الحكم للأعم الأغلب وهو الصلاحية للمسكوت عنه إلا أن هذا لا يكفي في إثبات الأحكام.