لهم الواعظ فأخذوا يسألون عن المانع من حضوره. فقال بعضهم اظن أن القاضي منعه من الوعظ. فقام رجل منهم وقال: ايها الناس من أراد أن ينصر الحق فليقم معي. فتبعه الجم الغفير فمضى بهم إلى مجلس القاضي فلما رآهم القاضي ومن في المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر من بها من الشهود ولم يبق إلا القاضي فدخلوا عليه وقالوا له: اين شيخنا فقال: لا أدري. فقالوا له: قم واركب معنا إلى الديوان ونكلم الباشا في هذا الأمر ونسأله أن يحضر لنا اخصامنا الذين افتوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فإن اثبتوا دعواهم نجوا من ايدينا وإلا قتلناهم. فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وإمامه إلى أن طلعوا إلى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره في غير وقته. فقال: انظر إلى هؤلاء الذين ملأوا الديوان والحوش فهم الذين اتوا بي وعرفه قصتهم وما وقع منهم بالامس واليوم وإنهم ضربوا الترجمان وأخذوا مني حجة قهرا وأتوا اليوم واركبوني قهرا. فأرسل الباشا إلى كتخدا الينكجرية وكتخدا العزب وقال لهما: اسألوا هؤلاء عن مرادهم. فقالوا نريد أحضار النفراوي والخليفي ليبحثا مع شيخنا فيما افتيا به عليه فاعطاهم الباشا بيورلديا على مرادهم ونزلوا إلى المؤيد وأتوا بالواعظ واصعدوه إلى الكرسي فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم في غد بالمؤيد ويذهبون بجمعيتهم إلى القاضي وحضهم على الانتصار للدين وقمع الدجالين. وافترقوا على ذلك وأما الباشا فإنه لما اعطاهم البيورلدي أرسل بيورلديا إلى إبراهيم بك وقيطاس بك بعرفهم ما حصل وما فعله العامة من سوء الأدب وقصدهم تحريك الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي وقد عزمت أنا والقاضي على السفر من البلد. فلما قرأ الأمراء ذلك لم يقر لهم قرار وجمعوا الصناجق والاغوات ببيت الدفتردار واجمعوا رايهم على أن ينظروا هذه العصبة من أي وجاق ويخرجوا من حقهم وينفي ذلك الواعظ من البلد.