استهل المحرم بيوم الخميس والأمر في شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد وشتات أهلها وانتشارهم بالمدينة حتى ملؤا الأسواق والازقة رجالا ونساء وأطفالا يبكون ويصيحون ليلا ونهارا من الجوع ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع.
وفيه أيضا هبط النيل قبل الصليب بعشرة أيام وكان ناقصا عن ميعاد الري نحو ذراعين فارتجت الأحوال وانقطعت الأمال وكان الناس ينتظرون الفرج بزيادة النيل فلما نقص انقطع أملهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات وغلت اسعارها عما كانت وبلغ الإردب ثمانية عشر ريالا والشعير بخمسة عشر ريالا والفول بثلاثة عشر ريالا وكذلك باقي الحبوب وصارت الأوقية من الخبز بنصف فضة ثم اشتد الحال حتى بيع ربع الويبة بريال وآل الأمر إلى أن صار الناس يفتشون على الغلة فلا يجدونها ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس الأعيان وغيرهم إلا مذاكرة القمح والفول والأكل ونحو ذلك وشحت النفوس واحتجب المساتير وكثر الصياح والعويل ليلا ونهارا فلا