القلعة اعلاما وسرورا بوصوله اسيرا وركب صالح بك السلحدار في عدة كبيرة وخرجوا لملاقاته واحضاره فلما واجهه صالح بك نزع من عنقه الحديد واركبه هجينا ودخل به إلى المدينة وإمامه الجاويشية والقواسة الاتراك وبأيديهم العصي المفضضة وخلفه صالح بك وطوائفه وطلعوا به إلى القلعة وادخله إلى مجلس كتخدا بك وصحبته حسن باشا وطاهر باشا وباقي أعيانهم ونجيب أفندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة وكان متأخرا عن السفر ينتظر قدوم المضايفي ليأخذه بصحبته إلى دار السلطنة فلما دخل عليهم اجلسوه معهم فحدثوه ساعة وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب وافصح جواب وفيه سكون وتؤدة في الخطاب وظاهر عليه أثار الإمارة والحشمة والنجابة ومعرفة مواقع الكلام حتى قال الجماعة لبعضهم البعض: يا اسفا على مثل هذا إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه ولم يزل يتحدث معهم حصة ثم أحضروا الطعام فواكلهم ثم أخذه كتخدابك إلى منزله فأقام عننده مكرما ثلاثا حتى تمم نجيب أفندي أشغاله فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق وانزلوه في سفينة مع نجيب أفندي ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية وذلك يوم الإثنين حادي عشرينه.
وفي أواخره وصلت أخبار بأن مسعود الوهابي أرسل قصادا من طرفه إلى ناحية جدة فقابلوا طوسون باشا والشريف غالب خلع عليهم وأخذهم إلى أبيه فخاطبهم وسألهم عما جاؤا فيه فقالوا: الأمير مسعود الوهابي يطلب الافراج عن المضايفي ويفتديه بمائة ألف فرانسة وكذلك يريد اجراء الصلح بينه وبينكم وكف القتال فقال لهم: فإنه سافر إلى الدولة وأما الصلح فلا نأباه بشروط وهو أن يدفع لنا كل ما صرفناه على العساكر من أول ابتداء الحرب إلى وقت تاريخه وأن ياتي بكل ما أخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة وكذلك ثمن ما استهلك منها وأن يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي واتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك