ولما قدمت الفرنساوية إلى الديار المصرية في أوائل سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف لم يتعرضوا له في شئ وراعوا جانبه وافرجوا عن تعلقاته وقبلوا شفاعاته وتردد إليه كبيرهم واعاظمهم وعمل لهم ولائم وكنت اصاحبه في الذهاب إلى مساكنهم والتفرج على صنائعهم ونقوشهم وتصاويرهم وغرائبهم الىأن حضر ركب العثمانيين في سنة خمسة عشرة وحصلت بينهم المصالحة على انتقال الفرنساوية من أرض مصر ورجوعهم إلى بلادهم على شروط اشترطوها بينهم وبين وزير الدولة العثمانية.
ومنها حسابات تدفع إليهم وأخرى تخصم عليهم وظن المترجم وخلافه اتمام الأمر والارتحال لا محالة فعند ذلك لحقه الطمع فذكوا مصلحة دفعها لكاتب جيشهم في نظير الافراج عن تعلقاته وأرسل يطلبها من بوسليك مدبر الجمهور وكذلك ما قبضه ترجمانه فقال: هذه عوائد لا بد منها ودخلت في حساب الجمهور وتغير خاطرهم منه وكانت منه هفوة ترتب عليها بينهم وبينه الجفوة ولما انتقض الصلح وحصلت المفاقمة ووقعت المحاربة في داخل المدينة وتترست العساكر الإسلامية وأهل البلد في النواحي والجهات وانقطع الجالب عن أهل البلد مدة ستة وثلاثين يوما التزم اغنياء الناس وأصحاب المظاهر الاطعام والانفاق على المحاربين والمقاتلين في جهتهم ونواحيهم والتزم المترجم كغيره الانفاق على من حوله فلما انقضت أيام المحاربة وانتصر الفرنساوية ورجع الوزير ومن معه إلى جهة الشام منهزمين فعند ذلك انتقم الفرنساوية من المبارزين لهم بأخذ المال بدلا عن الارواح وقبضوا على المترجم وحبسوه واهانوه أياما وفرضوا عليه قدرا عظيما من المال قام بدفعه كما ذكرنا ذلك مفصلا في محله وقيل أن الذي زاد الفرنساوية اغراء به مراد بك حين اصطلح معهم وعمل لهم ضيافة ببر الجيزة وسببه أنه لما دهمت الفرنساوية وطلعوا الاسكندرية ووصل الخبر إلى مصر اجتمع الأمراء بالمساطب وطلبوا المشايخ ليشاوروا في هذا الحادث فتكلم المترجم وخاطبهم بالتوبيخ وقال: كل هذا سوء