فصادف حصول الموسمين في أن واحد فلم يعمل فيها موسم ولا شنك على العادة ولم يركب المحتسب ولا أرباب الحرف بموكبهم وطبولهم وزمورهم وكذلك شنك قطع الخليج وما كان يعمل في ليلته من المهرجان في النيل وسواحله وعند السد وكذلك في صبحه وفي البيوت المطلة على الخليج فبطل ذلك جليعه ولم يشعر بهما أحد وصام الناس باجتهادهم وكان وفاء النيل في هذه السنة من النوادر فإن النيل لم تحصل فيه الزيادة بطول الأيام التي مضت من شهر ابيب إلا شيئا يسيرا حتى حصل في الناس وهم زائد وغلا سعر الغلة ورفعوها من السواحل والعرصات فافاض المولى في النيل واندفعت فيه الزيادة العظيمة وفي ليلتين اوفى اذرعه قبل مظنته فإن الوفاء لا يقع في الغالب إلا في شهر مسرى ولم يحصل في أواخر ابيب إلا في النادر وأنى لم ادركه في سنين عمري أو في ابيب إلا مرة واحدة وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فتكون المدة بين تلك وهذه المدة سبعا وأربعين سنة.
وفيه أرسل الباشا بطلب السيد محمد المحروقي فطلع إليه وصحبته عدة كبيرة من عسكر المغاربة لخفارته فلما واجهه قال له: هذا الذي حصل للناس من نهب أموالهم في صحائفي والقصد انكم تتقدمون لأرباب المنهوبات وتجمعونهم بديوان خاص طائفة بعد أخرى وتكتبون قوائم لكل طائفة بما ضاع لها على وجه التحرير والصحة وأنا اقوم لهم بدفعه بالغا ما بلغ فشكر له ودعا له ونزل إلى داره وعرف الناس بذلك وشاع بينهم فحصل لأربابه بعض الاطمئنان وطلع إلى الباشا كبار العسكر مثل عابدين بك ودبوس اوغلي وحجو بك ومحو بك واعتذروا وتنصلوا وذكروا واقروا أن هذا الواقع اشتركت فيه طوائف العسكر وفيهم من طوائفهم وعساكرهم ولا يخفاه خبث طباعهم فتقدم إليهم بأن يتفقدوا بالفحص وإحصاء ما حازه وأخذه كل من طوائفهم وعساكرهم وشدد عليهم في الأمر بذلك فاجابوه بالسمع والطاعة وامتثلوا لامره وأخذوا في جمع ما يمكنهم