وضربوا بالطبول والصنوج النحاس لطرده وأمر الباشا لكل من جمع منه رطلا فله قرشان فجمع الصبيان والفلاحون منه كثيرا.
ثم في ليلة السبت تاسع عشرة قبل الغروب وصل جراد كثير من ناحية المشرق مارا بين السماء والأرض مثل السحاب وكان الريح ساكنا فسقط منه الكثير على الجنائن والمزارع والمقاثيء فلما كان في نصف الليل هبت رياح جنوبية واستمرت واشتد هبوبها عند انتصاف النهار واثارت غبارا اصفر وعبوقا بالجو ودامت إلى بعد العصر يوم السبت فطردت ذلك الجراد واذهبته فسبحان الحكيم المدبر اللطيف.
وفي يوم الأحد طاف مناد اعمى يقوده آخر بالأسواق ويقول في ندائه: من كان مريضا أو به رمدا وجراحه وادارة فليذهب إلى خان بالموسكي به أربعة من حكماء الافرنج اطباء يداوونه من غير مقابلة شيء فتعجب الناس من هذا وتحاكوه وسعوا إلى جهتهم لطلب التداوي.
وفيه حضر ابن باشت طرابلس ودخل إلى المدينة وصحبته نحو المائتي نفر من اتباعه فانزله الباشا في منزل أم مرزوق بك بحارة عابدين واجرى عليه النفقات والراواتب له ولأتباعة.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وصل خبر الاطباء ومناداتهم إلى كتخدا بك فأحضر حكيم باشا وسأله فأنكر معرفتهم وأنه لاعلم عنده بذلك فامر باحضارهم وسألهم فخلطوا في الكلام فأمر بإخراجهم من البلدة ونفوهم في الحال وذهبوا إلى حيث شاء الله ولو فعل مثل هذه الفعلة بعض المسلمين لجوزي بالقتل أو الخازوق وكان صورة جلوسهم أن يجلس احدهم خارج المكان والآخر من داخل وبينهما ترجمان ويأتي مريد العلاج إلى الأول وهو كأنه الرئيس فيجس نبضه أو بيضه وكأنه عرف علته ويكتب له ورقة فيدخل مع الترجمان بها لآخر بدخل المكان فيعطيه شيئا من الدهن أو السفوف أو الحب المركب ويطلب منه أما قرشا أو قرشين أو خمسة بحسب الحال وذلك ثمن الدواء لا غير وشاع ذلك وتسامع به الناس وأكثرهم