دولته وقتل أكثرهم بما امكنه من حيلته وقلد مماليكه الصغار مناصب الأمراء الكبار ورخص لهم فيما يفعلون وتركهم وما يفترون فسعوا بالفساد وظلموا العباد وتعدوا على الرعية حتى في المواريث الشرعية فانحرفت عنه القلوب وابتهلوا إلى علام الغيوب فعلمت أن امره في ادبار ولا بد لدولته من الدمار فتنحيت عن حال الغرور وتباعدت عن نار الشرور ومنعت ولدي من التداخل في الأهوال وحبستهما عن مباشرة القتال خوفا عليهما لما اعلمه فيهما من الاقدام فيصيبهما كغيرهما من البلاء العام. فان عموم البلاء منصوص واتقاء الفتن بالرحمة مخصوص. ثم أحضر ولديه المشار اليهما وأخرجهما من محبسهما فنظر اليهما السلطان فرأى فيهما مخايل الفرسان الشجعان وخاطبهما فأجاباه بعبارة رقيقة والفاظ رشيقة ولم يخطئا في كل ما سألهما فيه ولم يتعديا في الجواب فضل التشبيه والتنبيه ثم أحضروا ما يناسب المقام من موائد الطعام فأكل وشرب ولذ وطاب وحصل له مزيد الانشراح وكمال الارتياح. وقدم الأمير سودون إلى السلطان تقادم وهدايا وتفضل عليه الخان أيضا بالانعام والعطايا وأمر بالتوقيع لهم حسب مطالبهم. ورفع درجة منازلهم ومراتبهم ولما فرغ من تكرمه وإحسانه ركب عائدا إلى مكانه وأصبح ثاني يوم ركب السلطان مع القوم وخرج إلى الخلا بجمع من الملا وجلس ببعض القصور ونبه على جميع اصناف العساكر بالحضور فلم يتأخر منهم أمير ولا كبير ولا صغير فطلب الأمير سودون وولديه فحضروا بين يديه فقال لهم: أتدرون لم طلبتكم وفي هذا المكان جمعتكم. فقالوا لا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب فقال أريد أن يركب قاسم واخوه ذو الفقار ويترامحا ويتسابقا بالخيل في هذا النهار. فامتثلا أمره المطاع لأنهما صارا من الجند والاتباع فنزلا وركبا ورمحا ولعبا واظهرا من أنواع الفروسية الفنون حتى شخصت فيهما العيون وتعجب منهما.