فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة. وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج. فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة. فحج أربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة ١١٧٦ ورجع سنة ١١٧٧ ولم يتعرض له أحد من العرب ذهابا وأيابا بعد ذلك. وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج إليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم. وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك.
وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد إسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل به للغاية ببركة الفيل. وكان ذلك في أيام النيل سنة ١١٧٤ فعملوا على معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة. واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والانواع وعلقوا القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا أبي العروس. وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات. واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي. ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة.