وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بالأبوة
فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث النسبة الباطنة لأنه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من الحضرة العلية إلا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته ولم يجعل مهر حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من المعلوم ضرورة. فظهر بهذا أن هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها. ثم سار في طريقة القوم أتم سير حتى لقنه الأستاذ الأسم الثاني والثالث. ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ إلا كمال الأدب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره. فمن ذلك أنه كان لا يتكلم في مجلسه أصلا إلا إذا سأله فإنه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته إلى القاهرة وسببه أنه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم إليه قال له: انبسط إلى الناس واستقبلهم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. ومما اتفق له أن شيخه المذكور قال له: مرة تعال الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا في البيت. فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له: كيف جئت في هذه الحالة. فقال: يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وأيضا لا عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وإن كنت حافيا. فقال له: أحسنت هذا أول قدم في الكمال إلى غير ذلك. ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق ومنحه أسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية تلقين الذكر وأخذ العهد كما وجد بخط الأستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما نصه: