وانحنى ظهره وتوفي سنة ١١٧٨. تربى المترجم في حجر أبيه وحفظ القران والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء ومهر وانجب درس وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق العلوم مستحضرا للمسائل الفقهية والعقلية ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية فاحضره والده للشيخ الوالد سنة ١١٧١ والتمس منه مطالعته عليه فأجابه إلى ذلك ورحب به وكان عمره إذ ذاك نيفا وعشرين سنة. ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الأستعدادية والجد في الطلب اغتبط به كثيرا وصرف إليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه واشترى له حمارا ورتب له مصروفا وكسوة ولازمه ليلا ونهارا ذهابا وأيابا حتى اشتهر بنسبته إليه فكان يرسله في مهماته واسراره إلى أكابر مصر واعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه. ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للاهمال وطول العهد فكان لا يذهب إلى داره إلا في النادر بعد حصة من الليل ويرجع في الفجر وينزل إلى الجامع بعد طلوع النهار فيقرأ درسين ثم يعود في الصخوة الكبرى فيقيم إلى العصر فيذهب إلى الجامع فيقرأ درسا في المعقول ثم يعود. وهكذا كان دأبه إلى أن مات.
تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها القاضي زاده والجغميني والمبادي والغابات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق والتدقيق وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالأزهر وغير ذلك كل ذلك بقراءته وعانى علم الأوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه روحانيته. وأجازه الملوي والجوهري.