عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع إلا في كفنه فأخذوا من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبرا لخواطرهم. وأعطى الأمير محمد بك لأخيه مولانا السيد بدر الدين عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه. وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره مكانه لاملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني وأقبلت عليه الناس والأعيان ومشى على قدم أخيه وسار سيرا حسنا وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الاخلاق واطعام الطعام وأكرام الضيفان والتردد إلى الأعيان والأمراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لأهل حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم ولو من الأمراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم حتى صار مرجعا وملجأ لهم في أمورهم ومقاصدهم وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم. ثم أنه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجدا نفيسا لطيفا وعمل به منبرا وخطبة ورتب به إماما وخطيبا وخادما وجعل بجانبه ميضاه ومصلى لطيفة يسلك اليهما من باب مستقل وبها كراسي راحة وأنشأ بجانب المسجد دارا نفيسة وانتقل إليها بعياله وترك الدار التي كانت سكنه مع أخيه لأنها كانت بالاجرة وبنى لاخيه ضريحا بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة ١٢٠٥. فلما كانت الحوداث في سنة ١٢١٣ واستيلاء الفرنسيس على الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهلي البلد وهي القومة الأولى التي قتل فيها دبوي قائمقام تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية وجمع جموعه من أهل الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الافرنج ومقاتلتهم وبذل جهده في ذلك. فلما ظهر الافرنج على المسلمين لم يسع المذكور الاقامة وخرج فارا إلى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس وفحص عنه الافرنج وبثوا خلفه الجواسيس.