بدون السلطنة العظمى والرياسة الكبرى لا يميل لسوى الجد ولا يحب اللهو ولا المزح ولا الهزل ويحب معالي الأمور من صغره. واتفق أن بعض ولاة الأمور تشاوروا في تقليده الإمارة فنقل إليه مجلسهم وذكر له مساعدة فلان وممانعة فلان فقال: أنا لا اتقلد الإمارة إلا بسيفي لا بمعونة أحد. ولم يزل يرقى في مدارج الصعود حتى عظم شأنه وانتشر صيته ونما ذكره وكان يلقب بجن علي ولقب أيضا ببلوط قبان وانضم إلى عبد الرحمن كتخدا واظهر له خلوص المحبة واغثر هو أيضا به وظن صحة خلوصه فركن إليه وعضده وساعده ونوه بشأنه ليقوى به على نظرائه من الاختيارية والمتكلمين. واتفق أنه وقع بين أحمد جاويش المجنون تابعه وبين أهل وجاقة حادثة نقموا عليه فيها وأوجبوا عليه النفي بحسب قوانينهم واصطلاحهم واعرضوا الأمر على عبد الرحمن كتخدا أستاذه فعارض في ذلك ولم يسلم لهم في نفي أحمد جاويش ورأى ذلك نقصا في حقه فتلطف به بعضهم وترجوا في اخراجه ولو إلى ناحية ترسا بالجيزة أياما قليلة مراعاة وحرمة للوجاق فلم يرض وحنق واحتد. فلما كان في اليوم الثاني واجتمع عليه الأمراء والأعيان على عادتهم قال لهم: أيها الأمراء من أنا اجابه الجميع بقولهم أنت أستاذنا وابن أستاذنا وصاحب ولائنا. قال: إذا أمرت فيكم بامر تنفذوه وتطيعوه قالوا: نعم. قال علي بك: هذا يكون أميرنا وشيخ بلدنا ومن بعد هذا اليوم يكون الديوان والجمعية بداره وأنا أول من اطاعه وآخر من عصى عليه. فلم يسعهم إلا قبول ذلك بالسمع والطاعة وأصبح راكبا إلى بيت علي بك وتحول الديوان والجمعية إليه من ذلك اليوم واستفحل أمره ولم يمض على ذلك إلا مدة يسيرة حتى أخرج أحمد جاويش المذكور وحسن كتخدا الشعرواي وسليمان بك الشابوري كما تقدم ثم غدر به أيضا وأخرجه إلى الحجاز من طريق السويس وأرسل معه صالح بك ليوصله إلى ساحل