للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الدوام. ويحاذر الرياء ما أمكن وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا يقول: إني صائم وربما ذهب إلى بعض الأعيان أو دعي إلى وليمة فيأتون إليه بالقهوة والشربات فلا يرد ذلك بل يأخذها ويوهم الشرب وكذلك الأكل ويضايع ذلك بالمؤانسة والمباسطة مع صاحب المكان والجالسين. وكان مع مسايرته للناس وبشاشته ومخاطبته لهم على قدر عقولهم عظيم الهيبة في نفوسهم وقورا محتشما ذا جلال وجمال. وسمعت مرة شيخنا سيدي الشيخ محمودا الكردى يقول: أنا عندما كنت أراه داخلا في دهليز الجامع يداخلني منه هيبة عظيمة وأدخل إلى رواقنا وانظر إليه من داخل وأسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي فأتعجب لما يداخلني من هيبته دون غيره من الأشياخ فلما تكرر على ذلك أخبرت الأستاذ الحفني فتبسم وقال لي: نعم أنه صاحب اسرار. وكان مربوع القامة ضخم الكراديس ابيض اللون عظيم اللحية منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة يهابه كل من يراه ويود أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه. ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة إلى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وتعلل اثني عشر يوما بالهيضة الصفراوية فكان كلما تناول شيئا قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع إلى أن اقتصر على المشروبات فقط وهو مع ذلك لا يصلي إلا من قيام. ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة السنوسية كذلك ثم الأسم العشرين من الأسماء الإدريسية وهو يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه هكذا كان دأبه ليلا ونهارا حتى توفى يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة وجهز في صبحة يوم الأربعاء وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل جدا ودفن عند اسلافه بتربة الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب

<<  <  ج: ص:  >  >>