يأوى الخراب خارج بلدته بحيث لا يشعر به أحد. وأخبرني غير مرة أنه كان لا يغمه بالليل إلا سماع صوت الديكة لانذارها بطلوع النهار لما يجده في ليله من المواهب والاسرار. وكان جل نومه في النهار وكثيرا ما كان يجتمع بالخضر عليه السلام فيراه بمجرد ما ينام فيذكر الله معه حتى يستيقظ. وكان لا يفتر عن ذكر الله لا نوما ولا يقظة. وقال مرة جميع ما في كتب احياء العلوم للغزالي عملت به قبل أن أطالعه فلما طالعته حمدت الله تعالى على توفيقه اياى وتوليته تعليمي من غير معلم. وكان كثير التقشف من الدنيا يأكل خبز الشعير وفي بيته يصنع خاص دقيق البر وكثيرا ما كان يلومه أخوه على ذلك وكان أخوه الكبير كثير اللوم له على ما يفعله من مجاهداته وتقشفاته. ولما مات والده ترك ما يخصه من ارثه لهم وكان والده كثير المال والخير وعليق دوابه في كل ليلة أكثر من نصف غرارة من الشعير. ولما صار عمره ثمان عشرة سنة رأى في منامه الشيخ محمد الحفناوى فقيل له: هذا شيخك فتعلق قلبه به وقصده بالرحلة حتى قدم مصر واجتمع به وأخذ عنه الطريق الخلوتية وسلك على يديه بعد أن كان على طريقة القصيرى رضي الله عنه. وقال له في مبدأ أمره: يا سيدي إني أسلك على يديك ولكن لا أقدر على ترك أوراد الشيخ علي القصيرى فأقرأ اوراده واسلك طريقتك. فأجابه الشيخ إلى ذلك ولم يشدد عليه في ترك أوراد الشيخ القصيرى لما عرفه من صدقه من المذكور فلازمه مدة طويلة ولقنه اسماء الطريقة السبعة في قطع مقاماتها وكتب له إجازة عظيمة شهد له فيها بالكمال والترقي في مقامات الرجال وأذن له بالارشاد وتربية المريدين. فكان الشيخ في آخر أمره إذا أراد أحد أن يأخذ عنه الطريق يرسله إلى الشيخ محمود ويقول لغالب جماعته عليكم بالشيخ محمود فإني لولا اعلم من نفوسكم ما أعلم لأمرتكم كلكم بالأخذ عنه والانقياد إليه. ولما قدم شيخ شيخه السيد مصطفى البكرى لازمه وأخذ.