للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، وكل أحد يفرق بين المدعو به والمدعو، والاستغاثة طلب الغوث وهو إزالة الشدة، والاستنصار طلب النصرة، والاستعانة طلب العون، والمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه، كما قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين} ١ وقال: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} ٢ وكما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ٣ وأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يطلب إلا من الله.

ولهذا كان المسلمون يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستسقون به ويتوسلون به، كما في صحيح البخاري "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس، وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون"٤. وفي سنن أبي داود: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نستشفع بالله عليك ونستشفع بك على الله، فقال: شأن الله أعظم من ذلك إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه"٥. فأقره على قوله ونستشفع بك على الله، وأنكر عليه قوله نستشفع بالله عليك، وقد اتفق المسلمون على أن نبينا صلى الله عليه وسلم شفيع يوم القيامة، وأن الخلق يطلبون منه الشفاعة، لكن عند أهل السنة أنه يشفع في أهل الكبائر، وعند الوعيدية إنما يشفع في زيادة الثواب.

وقول القائل: إن من قال أتوسل إليك برسولك فقد استغاث برسوله حقيقة في لغة العرب وجميع الأمم قد كذب عليهم، فما يعرف هذا في لغة أحد من بني آدم، بل الجميع يعلمون أن المستغاث به مسؤول مدعو، ويفرقون بين المسؤول والمسؤول به، سواء استغيث بالخالق أو بالمخلوق، فإنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيما يقدر على التصرف به، والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل مخلوق يستغاث به في


١ سورة الأنفال: ٧٢.
٢ سورة القصص: ١٥.
٣ سورة المائدة: ٢.
٤ تقدم تخريجه.
٥ تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>