[فصل في محنة ابن تيمية رحمه الله تعالى وتمسكه بطريق السلف]
قلَّ من يسلم من أهل الفضل والدين في هذه الدنيا بلا محنة وابتلاء وخوض فيه حيث لم يداهن الناس ويصانعهم، ولذا قل صديقه على حد قوله:"ما ترك الحق من صديق لعمر".
وقال سفيان الثوري رحمه الله:"إذا رأيت الرجل يثني عليه جيرانه فاعلم أنه مداهن ".
وما وقع من المحنة للأئمة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والبخاري مشهور كما بينته في كتابنا "تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين، وأكثروا من الخوض في أبي حنيفة رحمه الله، حتى أنه رُئي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك فقال: غفر لي بكلام الناس فيّ ما ليس فيه. هذا وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله امتحن بمحن وخاض فيه أقوام ونسبوه للبدع والتجسيم وهو من ذلك بريء.
فأول محنة- كما نقله الثقات- في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة بسبب عقيدته الحموية الكبرى، وهي جواب سؤال ورد من حماه فوضعها ما بين الظهر والعصر في ست كراريس بقطع نصف البلدي، فجرى له بسبب تأليفها أمور ومحن رجح مذهب السلف على مذهب المتكلمين وشنع عليهم.
فمن يعض قوله في مقدمتها: "ما قاله الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وفي غيره.
ومن المحال أن لكون خير الأمة وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه، ثم من المحال أيضاً أن تكون القرون الفاضلة القرن الذي بعث