للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو متمسك بالعروة الوثقى وإليه الطول، وعامل بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ١ الآية، وبقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ٢. وما سمعنا أنه اشتهر عن أحد منذ دهر طويل ما اشتهر عنه من كثرة المتابعة للكتاب والسنة، والإمعان في تتبع معانيهما والعمل بمقتضاهما، ولهذا لا يرى في مسألة أقوال العلماء إلا وقد أفتى بأبلغها موافقة للكتاب والسنة، وتحرى الأخذ بأقومها من جهة المنقول والمعقول. قال: وهذا أمر قد اشتهر وظهر، فإنه رضي الله عنه ليس له مؤلف مصنف ولا نمى في مسألة ولا أفتى إلا وقد اختار فيه ما رجحه الدليل النقلي والعقلي على غيره، وتحرى قول الحق المحض، وبرهن عليه بالبراهين القاطعة الواضحة الظاهرة، بحيث إذا سمع ذلك ذو الفطرة السليمة ينثلج قلبه عليها، ويجزم بأنها الحق المبين، وتراه في جميع مؤلفاته إذا صح الحديث عنده يأخذ به ويعمل بمقتضاه ويقدمه على قول كل قائل من عالم ومجتهد، وقد سبقه الإمام الشافعي رحمه الله إلى ذلك حيث قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

ولما منَّ الله عليه بذلك جعل حجة في عصره لأهله، حتى أن أهل البلاد البعيدة كانوا يرسلون إليه بالاستفتاء عن وقائعهم، ويقبلون عليه في كشف ما التبس عليهم حكمه، فيشفي عليلهم بأجوبته المسددة، ويبرهن على الحق من أقوال العلماء المتعددة، حتى إذا وقف عليها كل محق ذي بصيرة أذعن بقبولها، وبان له حق مدلولها.


١ سوره النساء: ٥٩.
٢ سورة الشورى: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>