قال: ما أجاب به الشيخ الأوحد الأجل بقية السلف، وقدوة الخلف، رئيس المحققين، وخلاصة المدققين، تقي الملة والحق والدين، من الخلاف في هذه المسألة صحيح منقول في غير ما كتاب من كتب أهل العلم، فلا مجال للاعتراض عليه في ذلك، إذ ليس بعيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غض من قدره، وقد نص الشيخ أبو محمد الجويني في كتبه على تحريم السفر لزيارة القبور، وهو اختيار الإمام القاضي عياض من المالكية، وهو أفضل المتأخرين من أصحابنا، وفي المدونة: ومن قال عليَّ المشي إلى المدينة أو بيت المقدس فلا يأتيهما أصلاً إلاّ أن يريد الصلاة في مسجديهما فليأتهما. فلم يجعل نذر زيارة قبره طاعة يجب الوفاء بها، ومن أصلنا أن من نذر طاعة لزمه الوفاء بها أكان من جنسها ما هو واجب بالشرع كما هو مذهب أبي حنيفة أو لم يكن؟ قال القاضي أبو إسحق إسماعيل بن إسحق عقب هذه المسألة: ولولا الصلاة فيهما لما لزمه إتيانهما، ولو كان نذر زيارته طاعة لزمه ذلك، وقد ذكر ذلك القيرواني في تقريبه، والشيخ ابن بشير في تنبيهه. وفي المبسوط: قال مالك: ومن نذر المشي إلى مسجد من المساجد ليصلني فيه قال: فإني أكره ذلك له، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد بيت المقدس، ومسجدي هذا" وروى محمد بن المواز في الموازية عنه: إلا أن يكون قريباً فيلزمه الوفاء، لأنه ليس بشد رحل.
وقد قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر في "كتاب التمهيد": يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وحيث تقرر هذا فلا يجوز أن ينسب من أجاب في هذه المسألة بأنه سفر منهي عنه إلى الكفر، فمن كفره بذلك من غير موجب فإن كان مستبيحاً ذلك فهو كافر، وإلا فهو فاسق.