قال أهل التاريخ: كان مولد الشيخ ابن تيمية يوم الاثنين عاشر ربيع الأول بحران سنة إحدى وستين وستمائة، وكانت وفاته ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ولما أخرجت كتبه من عنده أقبل بعد إخراجها على العبادة والتلاوة والذكر والتهجد حتى أتاه اليقين، وكان يختم القرآن في كل عشرة أيام، وختم القرآن مدة إقامته بالقلعة إحدى وثمانين ختمة، انتهى في آخر ختمة إلى آخر اقتربت {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} ١ ثم كملت عليه بعد وفاته وهو مسجى، وكانت مدة مرضه بضعة وعشرين يوماً، وكان إذ ذاك الملك شمس الدين الوزير بدمشق المحروسة، فلما علم بمرضه استأذن في الدخول عليه لعيادته فأذن الشيخ له في ذلك، فلما جلس عنده أخذ يعتذر له عن نفسه ويلتمس منه أن يحلله مما عساه أن يكون قد وقع منه في حقه من تقصير أو غيره، فأجابه الشيخ رضي الله تعالى عنه أني قد أحللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق، وقال ما معناه: إني قد أحللت السلطان المعظم الملك الناصر من حبسه إياي لكونه فعل ذلك مقلداً غيره معذوراً ولم يفعله لحظ نفسه، بل لما بلغه مما ظنه حقا من مبلغه، والله يعلم أنه بخلافه، وقد أحللت كل أحد مما بيني وبينه إلا من كان عدوا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأكثر الناس ما علموا بمرضه فلم يفجأ الخلق إلا نعيه، قال الشيخ علم الدين: وفي ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة ثمان وعشرين وسبعمائة توفي الشيخ الإمام العلامة الفقيه الحافظ الزاهد القدوة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن شيخنا الإمام المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ابن الشيخ الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوساً فيها، فاشتد التأسف عليه وكثر البكاء والحزن، ودخل عليه أقاربه