قد ذكرنا سابقاً أن القرآن الكريم من أوله إلى آخره ينادي بإخلاص التوحيد لله تعالى وإفراده سبحانه بخصائصه، وقد ذكرنا مثالاً لذلك وشاهداً عليه، وحباً لزيادة الإيضاح نذكر ما هو أصرح دلالة على مقصودنا من آيات الكتاب الكريم، فلعل النبهاني وأضرابه من عبدة القبور يهتدي ببعضها، ويكشف عن قلبه حجاب الضلال.
من ذلك قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} وهذه السورة العظيمة قد اشتملت على كنوز العلم، وهي تعدل ثلث القرآن، وقد بسط الكلام عليها الإمام تقي الدين بن تيمية وأفرد لتفسيرها سفراً كبيراً، وهو بحمد الله متداول. ومما قال:
" (الصمد) فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك، بل كلها صواب، والمشهور منها قولان:(أحدهما) أن الصمد هو الذي لا جوف له. (والثاني) أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج، والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة، والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين، والآثار المنقولة عن السلف بأسانيدها في كتب التفسير المسندة وفي كتب السنة وغير ذلك.
قال: وقد كتبنا من الآثار في ذلك شيئاً كثيراً بإسناده فيما تقدم.
ثم سرد أقوالاً كثيرة في معنى الصمد إلى أن ذكر فصلاً في سبب تنكير (أحد) وتعريف (الصمد) في السورة، وحاصله: أن لفظ (أحد) لم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده، وإنما يستعمل في غير الله في النفي، قال أهل اللغة: تقول لا أحد في الدار ولا تقل فيها أحد، ولهذا لم يجىء في القرآن إلا في غير الموجب، كقوله تعالى:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} ١ وكقوله: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ