انظر هذا الاستفهام وحسن موقعه بعدما تقدم من الاستفهامات التي هي حجج وآيات على ما بعدها تعرف به فحش ما جاء به عباد القبور من دعاء الهتهم والاستغاثة بهم في الملمات والشدائد المذهلات، وأن أهل الجاهلية كانوا يخلصون في الشدائد ويعترفون بأنه المختص بإجابة المضطر وكشف السوء، وهؤلاء يشتد شركهم عند الضر ونزول الشدائد.
ثم من المعلوم أن أخص أوصاف النصارى الضالين عبادة الأنبياء والصالحين وجعلهم شركاء لله فيما يختص به ويستحقه، وطاعة علمائهم وأحبارهم في التحليل والتحريم المخالف لما عهد إليهم في الكتب السماوية على ألسنة أنبيائهم، وعباد القبور ضربوا في هذا بسهم وافر، وحصلوا على نصيب من عبادة الأنبياء والصالحين ودعائهم مع الله استحقوا به إطلاق وصف الضلال عليهم فيما أتوا به وابتدعوه من طاعة الدعاة إلى عبادة القبور من المنتسبين إلى العبادة أو العلم.
قال صاحب "منهاج التأسيس" عليه الرحمة- بعد أن ساق ما ذكرناه- وهذه إشارة تطلعك على ما وراءها:
وفي فاتحة الكتاب والسبع المثاني من العلوم والتوحيد والرد على أصناف الضالين وشيع المبطلين ما لا يمكن حصره واستقصاؤه. انتهى.
قلت: من أراد الوقوف على تفاصيل ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة فعليه بكتاب شرح "منازل السائرين" للشيخ الحافظ ابن القيم، ففيه من إظهار كنوز أسرارها ما ينشرح به الخاطر.