للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعاء الأولياء والصالحين من أهل القبور أو غيرهم مشروع مسنون أو مباح، ولا يمكن أن تأتي شريعة بهذا، وما يقوله الجاهلون من الشبه الواهية لا يعتد به ولا يلتفت إليه، بل هي قاطعة في الطريق حائلة بين أربابها وبين الصراط المستقيم، وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله، وإن زعموا أنها أدلة وبينات فهي جهالات وخيالات وضلالات، كما تقدم الكلام على ما أورده النبهاني الزائغ منها ناقلاً لها عن أشياخه وأئمته الغلاة.

وقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فغير صفة ونعت لما قبلها من الاسم الموصول على ما وجهه بعض المفسيرن، والمعنى: أن الذين أنعم الله عليهم خالفوا وباينوا المغضوب عليهم والضالين في صفاتهم الشنيعة وأفعالهم القبيحة، فالأولون عرفوا الحق ولم يتبعوه ولم يريدوه، بل آثروا أغراضهم الفاسدة، وشهواتهم القاطعة، واستمتعوا بخلاقهم، ولم يعبؤوا بما عداه مما فيه صلاح العبد وهداه، والآخرون غلبت عليهم الشبهات وتاهوا في أودية الجهالات والضلالات، ولم يهتدوا إلى ما نصبه تعالى من الآيات الواضحات، والأدلة الظاهرات على وجوب توحيده وآلهيته وصمديته، وتنزهه عن الصاحبة والولد، وأحق الناس بالوصف الأول اليهود وبالوصف الثاني النصاري، لغلبة الوصف الأول على اليهود وغلبة الثاني على النصارى، ولذلك جاء في حديث عدي بن حاتم: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون"١. لكن هذا الوصف لا يختص بهم، بل كل منحرف عن الصراط المستقيم إيثاراً لهواه ورأيه فله نصيب من الوصف الأول، ومن انحرف لجهله وعدم فقهه فله نصيب من الوصف الثاني، وهذا الانحراف إن بقي معه أصل الدين الذي لا يقوم الإيمان والتوحيد إلا به فهو من أهل الذنوب من المسلمين وأمره إلى الله، وإن كان الانحراف يخل بأصل الدين والإيمان ويمنع التوحيد- كحال من يدعو الملائكة والأنبياء والصالحين مع الله في مهماته وملماته ويعتمد عليهم ويستغيث بهم في شدائده- فهذا له حظ وافر ونصيب كامل من الضلال، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ


١ أخرجه أحمد (٤/٣٧٨، ٣٧٩) والترمذي (٢٩٥٣، ٢٩٥٤) وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>