ومبين لأحوال من تركه ولم يرفع به رأساً وأشرك في عبادته، وما لهذا الصنف من الجزاء والعقاب والإهانة في الدار الآخرة.
وأما قوله:(اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعصت عليهم) فهذا فيه توحيد الطريق، وإن من سلك سواه وأراد الوصول من غيره فالسبل والطرق عليه مسدودة قاطعة غير موصلة، وفي حديث ابن مسعود:"خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} "١.
إذا عرف هذا فالصراط المستقيم ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان من أئمة الهدى، ودعاء الأنبياء والصالحين والاستغاثة بهم والتوجه إليهم كل هذا ليس مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، بل وليس عليه أحد من رسل الله وأوليائه وقد توافرت النصوص وتظاهرت على المنع منه، وقد مر منه جملة صالحة، فإذا كان خارجاً عن الصراط المستقيم ناهياً عنه سالكيه ومؤتميه فهو سبيل يفضي بسالكه إلى النيران والدخول في طاعة الشيطان، وأهل هذا الصراط المستقيم دأبهم وشأنهم إفراد الله بالعبادة والاستعانة والاستغاثة والإنابة والخوف والرجاء والتوكل والاعتماد، ومباينتهم في الأوصاف خروج عن صراطهم وطريقهم، قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كافيته الشافية:
فلواحد كن واحدا في واحد ... أعني سبيل الحق والإيمان
فسبيل الله واحد لا متعدد، ولا يمكن أن يأتي أحد بحجة ولا سلطان على أن
١ حديث صحيح. أخرجه أحمد (١/٤٣٥، ٤٦٥) أو رقم (٤١٤٢، ٤٤٣٧- شاكر) والنسائي في "الكبرى" (٦/ ٣٤٣/ ١١١٧٤) والطيالسي (٢٤٤) والحاكم (٢/٢١٨) وابن حبان (١/٠٥ ١/٦، ٧) وغيرهم. وصححه العلامة أحمد شاكر، والعلامة الألباني.