فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين، لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع.
أما الأول؛ فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده، وأعظم مطالبه، وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضى الذي هو من أقوى المقتضيات يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم؟ هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضاً عن الله وأعظمهم إكباباً على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله، فكيف يقع في أولئك.
وأما كونهم كانوا معتقدين غير الحق أو قائليه فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم.
ثم الكلام في هذا الباب عنهم أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى أو أضعافها يعرف ذلك من طلبه وتتبعه، ولا يجوز أيضاً أن يكون الخالفون أعلم بالله من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء- ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها- من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فإن هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة، ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.
فهذا الظن الفاسد أوجبه اعتقاد أنهم كانوا أميين بمنزلة الصالحين من العامة لم يتبحروا في حقائق العلم بالله ولم يتفطنوا لدقيق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله، كيف يكون هؤلاء المتأخرون- لاسيما