للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم، حيث يقول الإمام فخر الدين الرازي:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر ... على ذقن أو قارعاً سن نادم

وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم مثل قول بعض رؤسائهم:

نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ويقول آخر منهم: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ١ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ٢ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ٣ {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} ٤ ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتدراكني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي.

ويقول الآخر منهم: أكثر الناس شكاً عند الموت أصحابُ الكلام.

ثم إذا حقق عليهم الأمر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص


١ سورة فاطر: ١٠.
٢ سورة طه: ٥٠.
٣ سورة الشورى: ٢١.
٤ سورة طه: ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>