الوجه الأول: أن قول الشيخ: وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيه حديث في السنن يريد بالتوسل ما ذكره هو في كلامه، لا يريد التوسل في عرف النبهاني وعباد القبور، وهو دعاء المخلوق والاستغاثة به، وإنما يريد به سؤال الله تعالى أن يشفع عبده فيه بإجابة دعائه لهذا السائل، وأرشده في هذا التوسل إلى الله بالصلاة التي هي أفضل العبادات البدنية، وأن يوحده بالدعاء والمسألة في أن يقبل شفاعة نبيه أي دعاءه له، وهذا ليس الكلام فيه، وليس من توسل عباد القبور، وتقدم قول الشيخ أن هذا لا يسمى استغاثة، وفرق بين التوسل والاستغاثة.
الوجه الثاني: أن الذي رجح الشيخ ومن وافقه من المحققين أن هذا خاص في حياته، لأن المقصود به شفاعته بالدعاء، كما كان يستغفر لأصحابه ويدعو لهم، وهذا هو الذي فهمه الفاروق، وناهيك به، فإنه قال:"كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا" وهو صلى الله عليه وسلم كان يدعو لهم فتجاب دعوته، وبعد موته لا يشرع طلب الدعاء منه، لأن عمر عدل إلى العباس ولم ينكره منكر، ولم يذهب إلى القبر الشريف أحد من أفاضل الأمة وأكابرها، مع أن قبره صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، وهذا اتفاق على تصويب عمر ومتابعته، وهذا من باب التنزل، وإلا فعدم مشروعية هذا في سائر الكتب السماوية معلومة من الدين بالضرورة.
الوجه الثالث: أن الحديث إن صح فهو مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم عند من قال بالجواز كابن عبد السلام، فسؤال الله بغيره لم يقل به أحد ممن حكى الشيخ قولهم بالجواز، قال الشيخ: ولا يعلم أحد من السلف فعله، ولا روي فيه أثر، ولا يعلم فيه إلا ما أفتى به الشيخ عز الدين من المنع، وعباد القبور يسألون الله بجاه من اعتقدوا فيه، بل آل الأمر إلى أن يسأل الله تعالى بجاه كل من رفع قبره وجعلت عليه قبة، بل وبالبله والمجانين الذين يعتقدهم عباد القبور.