لها مناسبة لموضوع كتابه ما فتحنا فيها فماً، ولا حرّكنا قلماً، ولكن أبى الله تعالى إلا أن يفضح من تنقّص العلماء الأخيار، وسادات هذه الأمة، وأن يُري الناس عورته ويغريه بكشفها، ونعوذ بالله من الخذلان، وقد أصابته سهامه الصائبة، وتبين أنه من أصحاب الدعاوي الكاذبة، وكان هو الحري بما أنشده:
ومن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه ما لا يرى
ثم إن النبهاني الغبي عقَّبَ مسألة الاجتهاد بمسألة أخرى لا مناسبة لها أيضاً بموضوع كتابه، لكنه أراد أن يُظهر عجبه ودعاويه الكاذبة في العلم، فقال -بعد أن هذى وتكلّم بكلمات ساقطة تناسب جهله-: "إني سمعت مِراراً من بعضهم لزوم تأليف تفسير للقرآن على مقتضى الأذواق العصرية، وسمعتُ من رجل منهم أنه سيفعل ذلك، ويؤلف تفسيراً بهذه الصفة التي توافق هذا العصر، وهو في نفسه لا يقدر على فهم متن الآجرّومية، وقال لي بعض من يجتمع عليهم ويسمع كلامهم -وقد ثبت في ذهنه بعض نزغاتهم هذه وظنها حقاً-: قد نفعتُ بتأليفك المسلمين نفعاً عظيماً، ولكن بقي عليك شيء واحد. فقلت له: ما هو؟ قال: أن تؤلف تفسيراً للقرآن على مقتضى الأذواق العصرية، فإن هذه التفاسير الموجودة قد ألفوها على مقتضى أذواق أهل العصور السالفة، وقد تغير الحال الآن، واختلفت أذواق الناس ومشاربهم، فيلزم تأليف تفسير يوافقهم. قال: فأجبت أني لست أهلاً لذلك وبيني وبين مرتبة التفسير درجات كثيرة، لا يمكنني الوصول إليها، وتآليفي كلها جمع فؤاد وأكثرها في شؤون النبي صلى الله عليه وسلم من فضائله ومعجزاته ومدائحه ونحو ذلك مما لا رأي لي فيه، وإنما هو نقل صرف، وتفسير القرآن قد فرغ منه العلماء ونقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن بعدهم من أئمة الدين ودوّنوه في تفاسيرهم هذه الموجودة، وهي كافية وافية، وهي كما وافقت أهل العصور السابقة توافق أهل هذا العصر، فإن الأحكام الشرعية التي اشتمل عليها القرآن هي صالحة لكل إنسان، وقد استوت فيها العصور والأزمان، وليس للقرآن معان خاصة بأهل العصور السابقة ومعان أخرى خاصة بأهل العصور اللاحقة، وأما الأذواق والمشارب فهي إن كانت موافقة للشرع فمطلوبها يوجد في هذه التفاسير، وإن