للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الذين أخطؤوا في الدليل لا في المدلول- كمثل كثير من الصوفية، والوعاظ، والفقهاء، يفسّرون القرآن بمعان صحيحة في نفسها، لكن القرآن لا يدل عليها، مثل كثير مما ذكره السّلمي في الحقائق- فإن كان فيما ذكروه معانٍ باطلة دخل في القسم الأول". انتهى كلام شيخ الإسلام ملخصاً١.

فقد عُلِمَ من كلامه- رحمه الله تعالى- أن من فسَّر القرآن تفسيراً لا يخرج به عن السنة، ولا يذكر فيه شيئاً يناقض المنصوص، ويذكر ما دل عليه لفظ القرآن بأوجز عبارة، وألطفها وأوضحها، ويُبيّن محاسن ما اشتمل عليه الكتاب الكريم من الأحكام، وأما أخبر به من أمور الدنيا والآخرة، وبيان الحكم المشتمل عليها مما ينطبق على الفنون الصحيحة على ممر الأعصر والأيام- فكيف يكون المتصدي لمثل هذا التفسير والطالب له ملحداً أو مبتدعاً، ويكون النبهاني الذي يحكم بغير ما أنزل الله من قوانين محاكم العدلية مسلماً على المنهج المستقيم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!

قال الله عز ذكره: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ٢ ومحبة الرسول باتباعه لا بالعمل على خلاف شريعته، ولا بالغلوّ فيه كما غلا النبهاني، حيث اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو منه زمان ولا مكان، يريد بذلك أنه ما من زمان إلا وهو فيه موجود، وما من مكان إلا وهو فيه موجود، وهذه مقالة شنيعة في الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، وإنزال له فوق منزلته التي أنزله الله فيها، فإن هذا إشراك للنبي صلى الله عليه وسلم في أخص أوصاف الباري جل شأنه، فكيف يدّعي محبته من يقول بهذه المقالة، ثم يصرف عمره في الحكم بغير ما أنزل الله، ويذب عن البدع ويحث عليها، ويشتم المحامين عن السنة النبوية، والمحافظين على التوحيد، وسائر ما وردت به الشريعة الغراء، كشيخ الإسلام ابن تيمية وأضرابه؟! فهل يتردد المنصف في أن مثل النبهاني أعدى الأعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


١ انظر: "مقدمة في أصول التفسير" ط. دار ابن حزم ببيروت. وهي برمتها في "مجموع الفتاوى" (١٣/٣٢٩- ٣٧٥- القديمة) أو (١٣/١٧٦- ٢٢٩- الجديد ة) .
٢ سورة آل عمران: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>