للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسلّمون عليه في الدخول للمسجد وفي الصلاة؛ وهذا مشروع باتفاق المسلمين.

قد ذكرت هذا في المناسك وفي الفتيا، وذكرت أنه يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، وهذا الذي لم أذكر فيه نزاعاً في الفتيا مع أن فيه نزاعاً، إذ من العلماء من لا يستحب زيارة القبور مطلقاً، ومنهم من يكرهها مطلقاً، كما نُقِلَ ذلك عن إبراهيم النخعي، والشَّعبي، ومحمد بن سيرين؛ وهؤلاء من أجلة التابعين، ونقل ذلك عن مالك، وعنه أنها مباحة ليست مستحبة. وأما إذا قدر من أتى المسجد فلم يصل فيه ولكن أتى القبر ثم رجع فهذا هو الذي أنكره الأئمة كمال وغيره، وليس هذا مستحباً عند أحد من العلماء، وهو محل النزاع؛ هل هو حرام أو مباح؟ وما علمنا أحداً من علماء المسلمين استحب مثل هذا".

ثم ذكر عليه الرحمة حكم السفر إلى القبور من كلامه في "الجواب الباهر" فقال: "وأما السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين فهذا لم يكن موجوداً في الإسلام في زمن مالك، وإنما حدث هذا بعد القرون الثلاثة، قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم، فأما هذه القرون التي أثنى عليها: رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن هذا ظاهراً فيها، ولكن بعدها ظهر الإفك والشرك، ولهذا لما سأل سائل لمالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كان أراد المسجد فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل، للحديث الذي جاء: "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد".

كذلك من يزور قبور الأنبياء والصالحين ليدعوهم أو يطلب منهم الدعاء أو يقصد الدعاء عندهم -لكونه أقرب إجابة في ظنه- فهذا لم يكن يعرف على عهد مالك، لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وإذا كان مالك يكره أن يطيل الوقوف عنده للدعاء فكيف بمن لا يقصد لا السلام عليه ولا الدعاء له، وإنما يقصد دعاءه، وطلب حوائجه منه، ويرفع صوته عنده، فيؤذي الرسول، ويشرك بالله، ويظلم نفسه؟!

ولم يعتمد الأئمة الأربعة ولا غير الأربعة على شيء من الأحاديث التي

<<  <  ج: ص:  >  >>