للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن لما كان في نفوس بعض المخاطبين قصور في الفهم، أو تَلَكُّؤٌ في الاستجابة، أو مكابرة وعناد، أو العيش في بيئة يسودها الكدر والضلال، والبعد عن هدي السنة والكتاب؛ احتاج هؤلاء إلى أسلوب آخر في الاستدلال، يتضمن مجادلة ومناظرة بين الحق من جهة، والباطل من الجهة الأخرى، تثارُ أثناءها كَوَامِنُ الحق في فِطَرِ بني آدم، فيزول عن القلوب رَيْنُها، وعن الأبصار غَشَاوتُها، وعن العقول أقفالها، حتى يعودَ الحق واضحاً جَلِيّاً لكل ذي بصر وبصيرة، فلا يبقى أمامه إلا إعلان الإيمان، وإشهار الإذعان، أو الرضا بالخنوع للباطل، والهروب من الحق.

ولقد شهدت البريّةُ- ولا تزال- أنماطاً من الجدل والمناظرة، والأخذ والرد، والكتابة والمناقشة، في شتى الموضوعات؛ ولكن: ليست هناك حجة كَحُجَجِ الله تعالى التي بعثَ بها رسله، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: ٨٧] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: ١٢٢] .

فالجدل والمناظرة، والرد على الخصوم والمخالفين؛ ضربٌ من ضروب بيان الحق وتأييده، وقمع الباطل وتزهيقه، وقد استخدمه الله تعالى في القرآن الكريم كثيراً، وبأساليب شتى، وفي حالات متنوعة؛ من تنبيه لغافل، أو إرشاد لمُسترشد، أو إفحام لمعاند.

فالقرآن واجه الخصوم والمخالفين وتصدّى لهم، وناظرهم فيما يعتقدونه، وقطعهم بالحجة البالغة، والسلطان القاهر، فما استطاعوا له ردّاً، ولا عنه حِوَلاً.

والرسول صلى الله عليه وسلم واجه أصنافاً من الناس؛ منهم المسترشد يطلب الحق، والجاهل يبتغي العلم، والجاحد يسلك سبيل المدافعة والمنازعة، ومنهم المعاند الذي لا يلوي على شيء غيرَ الوقوف أمام كل جديد بالصدّ والإنكار، والتزام ما كان عليه الآباء والأجداد.

ومن هؤلاء وهؤلاء من ينتسب إلى كتاب مُنَزَّلٍ أصابه التحريف والتبديل، ومنهم من يعبد الوثن ...

<<  <  ج: ص:  >  >>