للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعائه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أولى أن نصل إلى قبره إذا زرناه.

وقد ثبت بالتواتر وإجماع الأمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشرع الوصول إلى قبره للدعاء له، ولا لدعائه، ولا لغير ذلك، بل غيره يصلى على قبره عند أكثر السلف، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، والصلاة على القبر كالصلاة على الجنازة تشرع مع القرب والمشاهدة، وهو بالإجماع لا يُصَلَّى على قبره، سواء كان للصلاة حد محدود أو كان يصلى على القبر مطلقاً، ولم يعرف أن أحداً من الصحابة الغائبين لما قدم صلى على قبره صلى الله عليه وسلم. وزيارة القبور المشروعة هي مشروعة مع الوصول إلى القبر بمشاهدته، وهذه الزيارة غير مشروعة في حقه بالنص والإجماع، ولا هي أيضاً ممكنة، فتبين غلط هؤلاء الذين قاسوه على عموم المسلمين وهذا من باب القياس الفاسد، ومن قاس قياس الأولى ولم يعلم ما اختص به كل واحد من القياس والمقيس به كان قياسه من جنس قياس المشركين الذين كانوا يقيسون الميتة على المذكى، ويقولون للمسلمين: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟ فأنزل الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ١ وكذلك لما أخبر الله أن الأصنام التي تُعْبَد هي وعابدوها حصب جهنم قاس ابن الزبعري قبل أن يسلم وهو وغيره من المشركين عيسى بها، وقالوا يجب أن يعذب عيسى، قال: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} ثم قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ} ٢. وبين تعالى الفرق بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ٣. بَيَّنَ أن من كان صالحاً- نبياً أو غير نبيّ- لم يعذَّب لأجل من أشرك به وعبده وهو بريء من إشراكهم، وأما الأصنام فهي حجارة تجعل حصباً للنار، وقد قيل: إنها من الحجارة التي قال الله تعالى فيها {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وقال تعالى:


١ سورة الأنعام: ١٢١.
٢ سورة الزخرف: ٥٧- ٥٩.
٣ سورة الأنبياء: ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>