للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضوع الأولى ومحمول الثانية، وهي زيارة قبره واجبة، ثم يلزم على هذا لوازم: منها: أن تارك زيارة قبره عاص آثم مستحق للعقوبة منتفي العدالة لا تصح شهادته ولا تقبل روايته ولا فتواه، وفي هذا تفسيق جميع الصحابة إلا من صح عنه منهم الزيارة، ولا ريب أن هذا شر من قول الرافضة الذين فسّقوا جمهورهم بتركهم تولية علي، بل هو من جنس قول الخوارج الذين يكفرون بالذنب، لأن تارك هذه الزيارة عنده تارك لتعظيمه، وتارك تعظيمه كفر أو ملزوم للكفر، فإن تعظيم الرسول من لوازم الإيمان فعدمه مستلزم الكفر، وعلى هذا فكل من لم يزر قبره فهو كافر، لأنه تارك لتعظيمه صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن الروافض والخوارج لم يصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء من الجهل والكذب على الله ورسوله وعلى الأمة.

يوضحه الوجه الثاني: أن الخوارج إنما كفّروا الأمة بمخالفة أمره ومعصيته وتمسكوا بنصوص متشابهة لم يردوها إلى المحكم، وأما عباد القبور فكفروا بموافقة الرسول في نفس مقصوده، وجعلوا تجريد التوحيد كفراً وتنقصاً، فأين المكفر بالذنب من المكفر بموافقة الرسول وتجريد التوحيد؟

يوضحه الوجه الثالث: أن زيارة قبره لو كانت تعظيماً له لكانت مما لا يتم الإيمان إلا بها، ولكانت فرضاً معيناً على كل من استطاع إليها سبيلاً من قرب أو بعد، ولما أضاع السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان هذا الفرض، وقام به الخلف الذين خلفوا من بعدهم ويزعمون أنهم بذلك أولياء الرسول، وحزبه القائمون بحقوقه، وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا أهل طاعته، والقيام بما جاء به علماً ومعرفة وعملاً وإرشاداً وجهاداً، الذين جردوا توحيد الخالق وعرفوا للرسول حقه، ووافقوه في تنفيذ ما جاء به والدعوة إليه والذب عنه.

الوجه الرابع: أنه إذا كانت زيارة قبره واجبة على الأعيان كانت الهجرة إلى القبر آكد من الهجرة إليه في حياته، فإن الهجرة إلى المدينة انقطعت بعد الفتح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح". وعند عُبّاد القبور أن الهجرة إلى القبر فرض معين على من استطاع إليه سبيلاً، وليس يخاف أن هذا مراغمة صريحة لما

<<  <  ج: ص:  >  >>