الذين تنسب إليهم تلك الرؤية، ولم يبلغنا أن أحداً منهم ادّعى أنه رأى في اليقظة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عنه ما أخذ، وكذا لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم ظهر لمتحير في أمر من أولئك الصحابة الكرام فأرشده وأزال تحيره.
وقد صح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال في بعض الأمور:"ليتني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه" ولم يصح عندنا أنه توسل إلى السؤال منه صلى الله عليه وسلم بعد الوفاة نظير ما يحكى عن بعض أرباب الأحوال. وقد وقفتَ على اختلافهم في حكم الجد مع الأخوة، فهل وقفت على أن أحداً منهم ظهر له الرسول صلى الله عليه وسلم فأرشده إلى ما هو الحق فيه؟
وقد بلغك ما عري فاطمة البتول رضي الله تعالى عنها من الحزن العظيم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وما جرى لها في أمر فدك، فهل بلغك عنه عليه الصلاة والسلام أنه ظهر لها كما يظهر للصوفية قبل لوعتها وهوّن حزنها وبين الحال لها؟
وقد سمعتَ بذهاب عائشة إلى البصرة وما كان من وقعة الجمل، فهل سمعت تعرضه صلى الله عليه وسلم لها قبل الذهاب وصده إياها عن ذلك لئلا يقع أو تقوم الحجة عليها على أكمل وجه؟ إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى كثرة.
والحاصل؛ أنه لم يبلغنا ظهوره عليه الصلاة والسلام لأحد من أصحابه وأهل بيته مع احتياجهم الشديد لذلك، وظهوره عند باب مسجد قباء كما يحكيه بعض الشيعة افتراء محض وبهت بحت.
وبالجملة؛ عدم ظهوره لأولئك الكرام وظهوره لمن بعدهم مما يحتاج إلى توجيه يقنع به ذوو الأفهام، ولا يحسن مني أن أقول كل ما يحكى عن الصوفية من ذلك كذب لا أصل له لكثرة حاكيه وجلالة مدّعيه، وكذا لا يحسن مني أن أقول إنهم إنما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم مناماً فظنوا ذلك لخفة النوم وقلة وقته يقظة، فقالوا رأينا يقظته لما فيه من البعد، ولعل في كلامهم ما يأباه، وغاية ما أقول إن تلك الرؤية من خوارق العادة كسائر كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء عليهم السلام، وكانت الخوارق في الصدر الأول لقرب العهد بشمس الرسالة قليلة جداً، وأنى يرى النجم