وقال في موضع آخر من هذا الكتاب:"إذا خاض هذا- يعني ابن البكري- في مسألة لم يسبقه إليها عالم، ولا معه فيها نقل عن أحد، ولا هي من مسائل النزاع بين العلماء فيختار أحد القولين، بل هجم فيها على ما يخالف دين الإسلام المعلوم بالضرورة عن الرسول، فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لأحد لا لحيّ ولا إلى ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله.
لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن وقال هذا أصل دين الإسلام.
وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بينته لنا، لعلمه بأن هذا أصل الدين، وكان هذا وأمثاله في ناحية أخرى يدعون الأموات ويسألونهم، ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم، لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم فيدعونه دعاء المضطر، راجين قضاء حاجتهم بدعائه أو الدعاء به أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم لله ودعائهم إياه فإنهم يفعلونه في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف" انتهى.