ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يصلّون خلف الحجاج والمختار بن أبي عبيد وغيرهما الجمعة والجماعة، فإن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فساداً من الإقتداء بإمام فاجر، لاسيما إذا كان التخلف عنها لا يرفع فجوره فيبقى ترك المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة، ولهذا كان التاركون للجماعات والجمعيات خلف أئمة الجور مطلقاً معدودين عند السلف والأئمة من أهل البدع، وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعات خلف البَرّ فهو أولى من فعلها خلف الفاجر.
وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد للعلماء، منهم من قال يعيد لأنه فعل ما لا يشرع له بحيث ترك ما يجب عليه من الإنكار بصلاته خلف هذا، فكانت صلاته منهياً عنها فيعيدها، ومنهم من قال لا يعيد، قال لأن الصلاة في نفسها صحيحة، وما ذكر من ترك الإنكار هو أمر منفصل عن الصلاة وهو يشبه البيع بعد نداء الجمعة، وأما إذا لم يمكنه الصلاة إلا خلفه كالجمعة فهنا لا تعاد الصلاة وإعادتها من فعل أهل البدع، وقد ظن طائفة من الفقهاء أنه إذا قيل: إن الصلاة خلف الفاسق لا تصح أعيدت الجمعة خلفه وإلا لم تعد وليس كذلك، بل النزاع في الإعادة حيث نهي الرجل عن الصلاة، فأما إذا أمر بالصلاة خلفه فالصحيح هنا أنه لا إعادة عليه لما تقدم من أن العبد لم يؤمر بالصلاة مرتين، وأما الصلاة خلف من يكفر ببدعته من أهل الأهواء فهناك قد تنازعوا في نفس صلاة الجمعة خلفه، ومن قال إنه يكفر أمر بالإعادة، لأنها صلاة خلف كافر، لكن هذه المسألة متعلقة بتكفير أهل الأهواء، فيها قولان، وعن الإمام أحمد أيضاً فيها روايتان، وكذلك أهل الكلام قد ذكروا للأشعري فيها قولين، وغالب مذاهب الأئمة فيها تفصيل.
وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفراً؛ فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قال لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا كما في نصوص الوعيد، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً