للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان عليه أهل الجاهلية من انتصار بعضهم لبعض ولو ظلماً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من تعزّى بعزاء الجاهلية فاعضّوه بِهنّ أبيه ولا تكنوا"١.

وفي "شرح المسائل" التي أبطلها الإسلام ما نصه: "ومن خصال الجاهلية أنهم لا يقبلون من الحق إلا ما تقول به طائفتهم، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٢.

ومعنى (نؤمن بما أنزل علينا) أي: نستمر على الإيمان بالتوراة وما في حكمها مما أنزل في تقرير حكمها. ومرادهم بضمير المتكلم إما أنبياء بني إسرائيل وهو الظاهر وفيه إيماء إلى أن عدم إيمانهم بالقرآن كان بغياً وحسداً على نزوله على من ليس منهم، وإما أنفسهم، ومعنى الإنزال عليهم: تكليفهم بما في المنزل من الأحكام، وذموا على هذه المقالة لما فيها من التعريض بشأن القرآن، ودسائس اليهود مشهورة، أو لأنهم تأولوا الأمر المطلق العام ونزلوه على خاص هو الإيمان بما أنزل عليهم، كما هو ديدنهم في تأويل الكتاب بغير المراد منه.

(ويكفرون بما وراءه وهو الحق) أي: هم مقارنون لحقيقته أي عالمون بها. (مصدقاً لما معهم) لأن كتب الله يصدق بعضها بعضاً، فالتصديق لازم لا ينتقل، وقد قررت مضمون الخبر لأنها كالاستدلال عليه، ولهذا تضمنت رد قولهم:


١ أخرجه أحمد (٥/١٣٣، ١٣٦) أو رقم (٢١٢٩٨، ٢١٣١٣، ٢١٣١٤، ٢١٣١٥، ٢١٣١٧) والبخاري في "الأدب المفرد" (٩٦٣) والنسائي في "الكبرى" (٦/٢٤٢/١٠٨٠، ١٠٨١١، ١٠٨١٢) والطبراني في "المعجم الكبير" (١/رقم: ٥٣٢) وغيرهم، وصححه الألباني في "الصحيحة" (٢٦٩) .
قال الجيلاني في "فضل الله الصمد" (٢/٤٢٨) : "تعزّى: التعزي: الانتساب إلى قوم، كقولهم: يا لفلان، يا لبكر، يا لتميم.
وأعضوه بهن أبيه: أي: اشتموه صريحاً وسبّوه. والعض أخذ الشيء بالأسنان، والمعنى: اعضض بهن أبيك الذي كان سبباً لولادتك تنكيلاً".
٢ سورة البقرة: ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>