للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكان، والله تعالى ليس كذلك، ولكن نقول استوى من لا مكان إلى مكان، ولا نقول انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحداً، كما نقول له عرش ولا نقول له سرير، ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل، ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم عليه السلام وإن كان المعنى في ذلك واحداً، لأنا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم، ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن، وقد قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} ١ وليس مجيئه حركة ولا زوالاً ولا ابتدالاً، لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسماً أو جوهراً، فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا انتقالاً، ولو اعتبرت ذلك بقولهم جاءت فلاناً قيامته وجاءه الموت وجاءه المرض وشبه ذلك مما هو وجود نازل به لا مجيء؛ لبان ذلك وبالله العصمة والتوفيق.

فإن قال: إنه لا يكون مستوياً على مكان إلا مقروناً بالكيف.

قيل له: قد يكون الاستواء واجباً والتكييف مرتفعاً، وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء، ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل ولا يكون كائناً في الإمكان ولا مقروناً بالتكييف.

فإن قال: إنه كان ولا مكان وهو غير مقرون بالتكييف، وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحاً في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح، وكذلك ليس جهلنا بكيفيته على عرشه يوجب أن ليس على عرشه، وقد روى عن أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله؛ أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماء والأرض؟ قال: "كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء" ٢. قال أبو القاسم: العماء؛ ممدود وهو السحاب، والعمى مقصور وهو الظلمة، وقد زوي الحديث بالمد والقصر، فمن رواه بالمد فهو عنده


١ سورة الفجر: ٢٢.
٢ حديث ضعيف. أخرجه أحمد (٤/١١) والترمذي (٣١٠٩) وابن ماجه (١٨٢) وغيرهم، وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (٦٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>