وتشبيه النبهاني لشيخ الإسلام بابن حزم يفهم منه أنه لم يرتض ابن حزم وهو الشيخ الجليل الشأن، أوحد عصره في العلم والزهد، صاحب التصانيف المفيدة، وما كان ذنبه سوى بيان مفاسد الأشاعرة وأضرابهم، وكلامه على من خالف السنة، وربما صدر منه بعض الخطأ اجتهاداً.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معائبه
ولا ينبغي من مثل النبهاني من الجهلة أن يتجاسر على من يبارى أمامه في العلم والزهد، ولكنه قد اتخذ الوقاحة ديدناً قالته الله ما أجهله وما أحمقه.
ويقال للنبهاني ثالثاً: إذ تصدى لمعارضة القصيدتين الفريدتين (إحداهما) : للشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ ذي الفنون البديعة والمصنفات النافعة أبو المظفر يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السرمري نزيل دمشق الحنبلي، وقد عارض بها الأبيات التي كتبها السبكي التي أنشدها لما وقع نظره على كتاب (منهاج السنة) واستعرت في قلبه نيران الحسد.
(والأخرى) للشيخ الإمام العلامة أبي عبد الله محمد بن جمال الدين يوسف الشافعي اليمني، رد فيها على السبكي فيما قاله في أبياته تلك من الرد على شيخ الإسلام ابن تيمية، وكلا القصيدتين قد اشتملتا من الفصاحة والبلاغة على منتهاهما مع ما فيهما من الرد الوافي على السبكي، فلو رآهما لبقي مدة عمره يبكي، والقصيدتان طبعتا مع كتاب (منهاج السنة) فلا حاجة لنا في ذكرهما مع كون كثير من طلبة العلم يحفظونهما.
ما دخولك أيها النبهاني بين الفرسان؟ وأنت لا تقاوم لمزيد جهلك الصبيان؟ قد عارضت بزعمك القصيدتين، وأتيت بما لم يتكلم به ابن يومين، أين السمك من السماك؟ وأين الحصى من درر الأسلاك؟ وأين نار الحباحب من بدور الأفلاك؟ قد مثلت ولكن كما مثل النجوم الماء، وكما انعكس في الغدير لون السماء، لقد حكيت ولكن فاتك الشنب، وفي الخمر معنى ليس يدرك من العنب.