والمقصود: أن قول النبهاني- الذي سبق بيانه في كلام العلامة السيد بدر الدين الحلبي- وما وافقه من أقوال الذين ذكرناهم كلها من واد واحد، وأنها متفرعة على القول بالحلول والاتحاد، غير أن كلامهم ليس صريحاً في ذلك، ولكن الأمر كما قيل:"ربّ كناية أبلغ من تصريح" فعلى المسلم التجنب عن مثل هذه الأقاويل، والأخذ بالكتاب والسنة، وبما كان عليه سلف الأمة.
فخير أمور الدين ما كان سنة ... وشرّ الأمور المحدثات البدائع
هذا حال النبهاني في عقائده، وجهله في العلوم النقلية والعقلية أشهر من أن يُنَبّه عليه، كما ستعلمه إن شاء الله تعالى.
لكن بقي علينا بيان حاله، وما هو عليه إلى اليوم من أفعاله وأعماله، وحيث أني لم أقف على حقيقة أمره -وإن كان ما نشره من الكتب تطلعنا على حُلْوِهِ ومُرّه- سألتُ عنه بعض الأفاضل من الأصحاب، ممن رآه واجتمع به، وعرف ما عنده من الفصول والأبواب، فكتب كلاماً طويلاً فيه، وعرّفني بظاهره وخافيه، فمن ذلك قوله: إن النبهاني قد قضى شطراً من عمره في المحاكم النظامية، وتسمى أيضاً بالمحاكم القانونية، ثم ذكر كلاماً طويلاً في بيان حال تلك القوانين، وما فيها من المخالفة لقواعد الدين، ثم قال: إن النبهاني تولّى رياسة الجزاء في بيت الله المقدس عدداً كثيراً من الأعوام، وبين حقيقة هذا المنصب وما يتعاطاه الرئيس من الأحكام، قال: ثم تحول إلى رياسة محكمة البداية في بيروت، وبين ما يرى في هذا المحل من الوظائف والمواد، ثم قال: وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.
قلت: إن كان صادقاً عليه ذلك المقال يكون تائهاً في أودية الجهل والضلال، فكيف يدّعي الإيمان فضلاً عن دعواه المحبة لسيد ولد عدنان، وهو معرض عن هديه وسنته، ناء عن العمل بشريعته، فهلاّ قرأ قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ١ {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ