للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى أنه أرغد منه عيشاً، ولا أكمل لذة، لئلا يكون ذلك حسرة في قلبه، وكذا لا مانع من أن ينحدر الأعلى إلى منزلة الأدنى ثم يعود من غير أن يرى ذلك نقصاً في ملكه أو حطاً من قدره. وقد ثبت في غير ما حديث أن أهل الجنة يتزاورون.

والشيخ ابن تيمية- قدس الله روحه من أكثر الناس طاعة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه كتبه، ككتاب "الصارم المسلول" وغيره، حتى أنه كابد ما كابد من خصومه في الله سبحانه، هذا مع ما كان عليه من التقوى والزهد والورع الذي شهد له به خصومه، وهكذا أصحابه وتلامذته رضي الله تعالى عنهم، وقد شهد له كبراء الأمة أنه كان من أكابر المجتهدين، ومن أئمة الدين، ومن أخيار المسلمين، وخواص المؤمنين على ما سنذكر ذلك في مناقبه، وفي الحديث "أنتم شهداء الله في أرضه"١. فمن المرجو من لطف الله تعالى وفضله أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم، وكذلك حديث الجنازة التي مرت فأثنوا عليها خيراً فقال صلى الله عليه وسلم: "وجبت " يؤكد هذا الرجاء.

فمصنف "جلاء العينين" يرجى له أن تكون روحه مع روح هذا الرجل الذي أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه أيضاً كان ممن أطاع الله وذب عن دينه، وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأوذي حياً وميتاً من أعداء الدين وخصوم الموحدين، ومنهم هذا النبهاني عدو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه القويم.

والحديث الذي ذكره رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"٢. قال الخطابي في بيان معنى هذا الحديث- على ما ذكر في "فتح الباري"-٣ يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر، والصلاح والفساد، وإن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير


١ تقدم الحديث في الجزء الأول.
٢ أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣٣٣٦) - معلقاً- ووصله في الأدب المفرد (٩٠٠) من حديث عائشة رضي الله عنها. وأخرجه مسلم (٣٦٣٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٣ الفتح (٦/٤٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>