للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرواح أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وحفاظ الحديث، المتبعين للسنن المعادين للبدع والأهواء، المعرضين عن الدنيا وزخرفها، الطالبين وجه الله ورضاه، وهم أهل الأرواح الطيبة الطاهرة، فكانت مما تناكر، فلذلك خالفهم وعاداهم وشحن كتابه بثلبهم وسبهم، وكيف تتعارف روحه الخبيثة مع تلك الأرواح الطيبة وقد صرف عمره في الأحكام الطاغوتية، وترويج الأمور الشيطانية، والميل إلى الظلمة والمجرمين، ومعاداة المسلمين، والله تعالى يقول حكاية عن بعض أصفيائه. {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} ١.

وقد قال بعض أهل الفضل والتقوى: على العالم أن يتصف بالحلم والزهد والقناعة بالقليل وترك الدنيا، لأن، ذلك سيرة الأنبياء، وهو اللائق بحال العلماء، فإن كثيراً من النصوص مشتملة على ذم الدنيا وطلبها، فطلبها للعالم زيادة على الكفاية جمع بين المتنافيين، وإغراء للعامة على الانهماك فيها، وأن يقتصر في حاجته على قاضي الحوائج، المعطي على التحقيق، الذي بيده مقاليد السموات والأرض، كيف وقد تكفل بالرزق قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ٢. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ٣. وأن يكون بعيداً من ولاة الأمور داعياً لهم بالنصر والتأييد والعدل والتوفيق، وبعيداً من الظلمة لأن قرب العالم منهم والتردد إليهم لأجل السحت وتحسينه لهم ما هم عليه فتنة له ولهم ولغيره.

ولما خالط الزهري ولاة الأمور كتب إليه صديق له من العلماء يقول:"عافانا الله وإياك من الفتن، ونجّانا وإياك من المحن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك ويرحمك، أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله لما فهمك من كتابه، وعلمك من سنة نبيه، واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت، أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي بدنوك ممن لم يؤد حقاً،


١ سورة القصص: ١٧.
٢ سورة هود: ٦.
٣ سورة الطلاق: ٢-٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>