يمينه برة غنية عن التكفير، وقد خلت من وجود مثله السبع الأقاليم إلا هذا الإقليم، يوافق على ذلك كل منصف جبل على الطبع السليم، ولسنا بالثناء عليه نطريه، بل لو أطنب مطنب في مدحه والثناء عليه لما أتى على بعض الفضائل التي فيه، أحمد بن تيمية، درة يتيمة يتنافس فيها، تشترى ولا تباع، ليس في خزائن الملوك ما يماثلها ويؤاخيها، انقطعت عن وجود مثله الأطماع.
لقد أصم الأسماع، وأوهى قوى المتبوعين والأتباع " سماع رفع أبي العباس أحمد بن تيمية إلى القلاع، وليس يقع من مثله أمر ينقم منه عليه إلا أن يكون أمرا قد لبس عليه، ونسب إلى ما لا ينسب مثله إليه، والتطويل على الحضرة العالية لا يليق، إن يكن في الدنيا قطب فهو القطب على التحقيق، وقد نصب الله السلطان أعلى الله شأنه في هذا الزمان منصب يوسف الصديق لما صرف الله وجوه أهل البلاد إليه، حيث أمحلت البلاد واحتاج أهلها إلى القوت المدخر لديه، والحاجة بالناس الآن إلى قوت الأرواح الروحانية أعظم من حاجتهم في ذلك الزمان إلى طعام الجثث الجسمانية، وأقوات الأرواح المشار إليها لإخفاء أنها العلوم الشريفة، والمعاني اللطيفة، وقد كانت بلاد المملكة السلطانية- حرسها الله تعالى- تكال الثناء جزافاً بغير أثمان، منحة عظيمة من الله ذي السلطان، ونعمة جسيمة إذ خص بلاد مملكته وإقليم دولته بما لا يوجد في غيرها من الأقاليم والبلدان، وقد كان وفد الوافدون من سائر الأمصار فوجدوا صاحب صواع الملك قد رفع إلى القلاع، ومثل هذه الميرة لا توجد في غير تلك البلاد لتشترى أو تباع، وصادف ذلك جدب الأرض ونواحيها جدبا أعطب أهاليها، حتى صاروا من شدة حاجتهم إلى الأقوات كالأموات، والذي عرض للمليك بالتضييق على صاحب صواعه مع شدة الحاجة إلى غذاء الأرواح لعله لم يتحقق عنده أن هذا الإمام من أكابر الأولياء وأعيان أهل الصلاح، وهذه نزغة من نزغات الشيطان، قال الله سبحانه:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} ١.