للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معارضة فاسدة، لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة، ولست أعلم من هذا ولا هذا، ولكن نسبة هؤلاء الأئمة إلى هؤلاء كنسبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي ومعاذ ونحوهم من الأئمة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع، فإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله ورسوله، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع آخر، وكذلك موارد النزاع بين الأئمة. وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في مسألة تيمم الجنب، وأخذوا بقول أبي موسى الأشعري وغيره لما احتج بالكتاب والسنة. وتركوا قول عمر رضي الله تعالى عنه في دية الأصابع وأخذوا بقول معاوية بن أبي سفيان، لما كان روى من لسان النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "هذه وهذه سواء" ١. وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة، فقال له: قال أبو بكر قال عمر، فقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر قال عمر! [وكذلك ابن عمر] لما سُئل عنها٢ فأمر بها فعارضوه بقول عمر، فبين أن عمر لم يرد ما يقولونه، فألحوا عليه، فقال: [أمر] رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع أم [أمر] عمر؟ مع علم الناس أن أبا بكر وعمر أعلم من ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

ولو فُتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويبقى كل إمام في اتباعه بمنزلة النبي في أمته، وهذا تبديل للدين، وشيه بما عاب الله تعالى به النصارى في قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ٣ والله سبحانه أعلم" انتهى٤.


١ أخرجه البخاري (٦٨٩٥) وأحمد (١/٢٧٧) وأبو داود (٤٥٥٨) والترمذي (٤٥٥٨) وابن ماجه (٢٦٥٢) والنسائي، وغيرهم.
٢ أي: متعة الحج؛ وهو: حج التمتع.
٣ سورة التوبة: ٣١.
٤ "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٢١١- ٢١٤) القديمة. أو (٢٠/ ١١٧- ١٢٠- الجديدة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>