للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٠٠ - ويزدادُ هذا المعنى ظهوراً بأن تكونَ الصفةُ التي تريدُ الإخبارَ بها عن المبتدأ مُجْراةً على موصوف، كقوله ابن الرومي:

هُوَ الرجُلُ المَشْرُوكُ في جُلِّ مالِهِ ... ولكنَّه بالمَجْد والحَمْد مُفْرَدُ١

تقديرُه، كأنه يقولُ للسامع: فكِّرْ في رجلِ لا يتميزُ عفاتُه وجيرانُه ومعارِفُه عنْهُ في مالِه وأَخْذ ما شاؤوا منه، فإذا حصلت صورته في نفسك، فأعلك أنه ذلكَ الرجلُ.

٢٠١ - وهذا فنٌّ عجيبُ الشأنِ، وله مكانٌ من الفَخامةِ والنُبْل، وهو مِنْ سِحْر البيانِ الذي تَقْصُرُ العبارةُ عن تأديةِ حقِّه. والمُعَوَّلُ فيه على مراجعةِ النفسِ واستقصاءِ التأمُّلِ، فإذا علمتَ أنه لا يريدُ بقوله: "الرجلُ المشروكُ في جُلِّ مالهِ" أن يقول: "هو الذي بلغت حديثه، وعرفت من حاله وقصته أن يُشرَكُ في جُلِّ ماله، على حدِّ قولِكَ: "هو الرجلُ الذي بلغَكَ أنه أنفقَ كذا، والذي وهبَ المئة المصطفاةَ من الإبل" ولا أنْ يقولَ إنه على معنى: "هو الكاملُ في هذه الصفةِ"، حتى كأنَّ ههنا أقواماً يُشركون في جلِّ أموالهم، إلا أنه في ذلك أكملُ وأتَمُّ، لأنَّ ذلك لا يُتَصوَّر. وذاك أنَّ كوْنَ الرجل بحيث يُشْرَكُ في جلِّ ماله، ليس بمعنى يَقعُ فيه تَفاضُلٌ٢، كما أن بَذْلَ الرجلِ كَلَّ ما يَملكُ كذلك ولو قيلَ: "الذي يُشْرَكُ في ماله"، جازَ أن يَتفاوَتَ. وإذا كان كذلك، علمتَ أنه معنًى ثالثٌ. وليس إلا ما أشرْتَ إليه من أنه يقولُ


١ ديوانه: ٥٨٩، وفيه: "ولكنه باخلبر والحمد".
٢ في المطبوعة: "ليس معنى"، وفي "س" "وذاك أن إشراك الرجل في جل ماله، معنى لا يقع فيه تفاضل".