للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لولا أن اختلاف صلة المصدر تقضي اختلافه في نفسِه، وأن يَحْدُثَ فيه انقسامٌ وتَنوُّعٌ، لَمَا كان لهذا الكلامِ معنًى، ولَكانَ في الاستحالة كقولك: و "الطعن غير الطعن". فقد بان إذْن أنه إنَّما كانَ كلُّ واحدٍ من الطَّعْنَيْن جِنْساً بَرأْسِهِ غيرَ الآخَر، بأَنْ كان هذا في الهيجاءِ، وذاك في الميدانِ.

وهكذا الحُكْم في كلِّ شيء تعدَّى إليه "المصْدَرُ" وتعلَّقَ به. فاختلافُ مفعولَيْ المصدر يقتضي اختلافَه، وأن يكونَ المتعدِّي إلى هذا المفعولِ غيرَ المتعدِّي إلى ذاك. وعلى ذلك تقولُ: "ليسَ إعطاؤكَ الكثير كإعطائك القليل"، وهكذا إذا عذبته إلى الحال كقولك: "ليس إعطاؤه مُعْسِراً كإعطائك مُوسِراً" و "ليس بذْلُكَ وأنتَ مقل، كبذلك وأنت مكثر".

الاسم المشتق أيضا يتفرق بالصلة:

٢١٧ - وإذا قد عرفْتَ هذا مِن حُكْم "المصدِر" فاعتبرْ به حكْمَ الاسمِ المشتقِّ منه.

وإذا اعتبرْت ذلك علمْتَ أَنَّ قولك: "هو الوفيُّ حين لا يفي أحد"، و "هو الواهب المئة المصطفاة"، وقوله١:

وهو الضارب الكتيبة، والطعـ ... ـنة تعلو، والضَّربُ أَغْلى وَأَغْلَى٢

واشباهُ ذلك كلُّها أخبارٌ فيها معنى الجنسية، وأنها في نوعِها الخاصِّ بمنزلِة الجنسِ المُطْلَق إذا جعلْتَه خبَراً فقلتَ: "أنتَ الشجاعُ".

وكما أنكَ لا تَقْصِد بقولك: "أنتَ الشجاعُ" إلى شجاعة بعينها قد


١ انظر الفقرة رقم: ١٩٦.
٢ في ديوان المتنبي، وفي المطبوعة: "أغلى وأغلى"، و "أغلى" من "الغلاء"، أي الضرب أعز وجودًا من الطعن وأغلى.