للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢١٥ - وهكذا القول في "المصادر"، تقول: "العلم" و "الجهل" و "الضرب" و "القتل" و "السير" و "القيام" و "القعود"، فتجدُ كلَ واحدٍ من هذه المعاني جنساً كالرجل والفرس والحمارِ. فإذا وصفتَ فقلتَ: "عِلمُ كذا" و "علم كذا" كقولك: "علم ضروري" و "علم مكتسب"، و "علم جلي" و "علم خفي" و "ضرب شديد" و "ضرب خفيف" و "سير سريع" و "سير بطيء" وما شاكل ذلك، آتقسم الجنس منها أقاسامًا، وصار أنواعًا، وكان مثلها مثل الشيء والمجموع المؤلفِ تَفْرُقُه فِرَقاً وتَشْعَبُه شُعبَا. وهذا مذهبٌ معروف عندهم، وأصل متعارف فيكل جيل وأمة.

المصادر تتفرق بالصلة، كما تتفرق بالصفة:

٢١٦ - ثم إن ههنا أصلاً هو كالمتفرِّع على هذا الأصل أو كالنظيرِ له، وهو أن مِنْ شأنِ "المصدر" أن يفرَّقَ بالصَّلات كما يُفرَّقُ بالصِّفات.

ومعنى هذا الكلامِ أنَّك تقولُ "الضربُ"، فتراه جنساً واحداً، فإذا قلتَ: "الضربُ بالسيف"، صار بتعديتك له إلى السيف١، نوعاً مَخصوصاً. ألا تراكَ تَقولُ: "الضربُ بالسيف غيرُ الضربِ بالعصا"، تُريدُ أنهما نوعانِ مختلفانِ، وأنَّ اجتماعَهما في اسم "الضَّرْب" لا يُوجب اتفاقَهما، لأن الصِّلةَ قد فصلَتْ بينُهما وفرَّقَتْهما. ومن المثالَ البيِّن في ذلك قول المتنبي:

وتوهَّمُوا اللعِبَ الوَغى، والطعنُ في الـ ... ـهيجاءِ غير الطعن في الميدان٢


١ في المطبوعة: "تعيتك"، بغير باء.
٢ في ديوانه، و "الوغي" و "الهيجاء" الحرب، و "الميدان"، يريد به ميدان التدريب على استعمال السلاح، وهو أشبه باللعب.